• ×
| 23-09-1443 الخميس 19 جمادى الأول 1446

الأمة بين فكرين منحرفين

بواسطة كاتب 21-04-1431 10:40 مساءً 1297 زيارات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله r وبعد :

تكتوي الأمة بنار يؤجج أوارها أعداء الله من الكفرة والمنافقين والملحدين ، أعداء في الخارج أجلبوا على الأمة بخيلهم ورجلهم ونفذ خططهم وأفسح لهم المجال أعداء الأمة من داخلها من المنافقين والعلمانيين .

وفي خضم هذه الأحداث المدلهمة تعيش الأمة أزمة فكرية ، ويتجاذبها فكران خطيران كل منهما يفعل فعله في صرف الأمة عن المنهج الحق :

الفكر الغالي فكر الغلو في الدين : الذي اتخذ من العنف والتكفير والتفجير منهجاً وسلوكاً في التغيير . وهذا أصبح واضحاً للناس ,وإن كان يحتاج إلى عودة لبيان أسبابه .

ويقابله فكر آخر لا يقل عنه خطراً ـ إن لم يكن أخطر ـ وهو أخطر بالفعل . ألا وهو الفكر الإرجائي الذي ضيع حقيقة الدين وميّع القضايا وحطم قدرات الأمة وأذهب التميز ، عن طريقه خضعت الأمة لعدوها وقل العمل ، واستوى المؤمن والكافر لأن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان عند هؤلاء ، وعن طريقه اختلط الحابل بالنابل .

وأقول إنه أخطر لأنه ينخر في الأمة ويحطم قدراتها ويركعها لأعدائها وجلاديها بشكل غير استفزازي ـ مقارنة بالفكر الغالي ـ ويتقبله شريحة من الأمة عظيمة لأمور عدة :

· كردة فعل لفكر الغلو والإفراط .

· عدم وضوح الرؤية عند كثير من المسلمين .

· ظهور قيادات فكرية تنظر لها شريحة من الأمة على أنها قيادات شرعية ، وهي بعيدة كل البعد عن التأصيل العلمي الرزين ، وبعيدة كل البعد عن فقه السلف وتبنيه .

· خلط للمفاهيم لدى كثير ممن يسمون أنفسهم ـ أو تسميهم الأمة ـ بالمفكرين ، هذا الخلط الذي ضيع كثيراً من حقائق الدين الناصعة .

· أن هذا الفكر يوافق شهوات كثير من الناس ، لأنه لا يعكر عليهم ما يريدون من المتعة وغيرها ، إذ ليس له ضوابط وحدود .

· فهم لبعض النصوص فهماً خاطئاً ، أو هكذا يراد أن يسوغ المفهوم الخاطئ .

لهذه الأسباب وغيرها أقول أن هذا الفكر أخطر ــ ولا يعني هذا أن فكر الغلو ليس بخطير ،بل هو خطير لكنه في الغالب يكون واضحاً لشريحة عظمى من الناس وسيكون هناك حديث آخر ـ إن شاء الله ـ هذا الانحراف .

من مظــاهر هذا الفكر :

1. الدعوة إلى التسامح الديني واحترام الأديان الأخرى .

2. السكوت عن ما يقوم به الأعداء بدعوى عدم الإثارة .

3. السكوت عن تقسيم الناس إلى مسلم وكافر لأن هذا فيه تفريق . وربما وصل الحال ببعضهم إلى القول بأن هذا من التخلف الذي لا يناسب عصر الانفتاح واندماج الشعوب .

4. الدعوة إلى مراجعة منهج السلف بأسلوب مناسب للعصر ، وأن هذا المنهج قابل للنقاش .

5. مراجعة نواقض الإسلام بما يناسب المرحلة والوقت ، وأن من تكلم في هذه النواقض قديماً تكلم في زمن يختلف تماماً عن هذا الزمن .

6. القضاء على ثوابت الأمة ومسلماتها حتى أصبح كل شئ قابلاً للنقاش .

7. تضييع مفهوم الولاء والبراء ، بل إلغائه من القاموس لأنه يخالف أصل الفكر .

8. الأديان السماوية تجتمع على الإيمان بالله فلا بد إذاً من الاتحاد فيما بينها لمحاربة الإلحاد .

9. الإسلام دين الإخاء والحب والمساواة .

10. الدعوة إلى وحدة الصف بصرف النظر عن التوجه والاعتقاد .

11. الاغترار بالأعداء ومحاولة صبغ الأمة بثقافتهم وقتل مبدأ التميز والاستقلال ، في الفكر والتوجه والمواقف

12. فهم وسطية الأمة فهماً مغلوطاً يلوذون به في جميع أطروحاتهم .

وأصحاب هذا الفكر ليسوا على درجة واحدة وليس بالضرورة جميعهم يؤمن بكل ما ذكر من مظاهر ، ولكن يجمعهم توجه واحد وهو الرقة في الدين وجعل جميع الأمور قابلة للنقاش .

في هذه الظروف التي تكتوي بها الأمة ، ومع مشاهدة آثار الفكر الغالي و متابعتهم له يغيب عن أذهان بعض المسلمين هذا الفكر ــ فكر التمييع والتضييع ـ . بل وُصِف أهلُ هذا التمييع بأنهم أهل التيسير . وهذا ظلم وخلط في المفاهيم وتضييع لحقائق الدين . بل حقيقة الأمر أن هذا تطرف وخروج عن المنهج الحق منهج الوسطية التي هي دين الله .

ولاشك أن المنهج الحق هو منهج الوسط والاعتدال المنضبط بضوابط الشرع ، الذي يقرر أطره ومفاهيمه المحققون من علماء الأمة المستمدون فقههم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على مقتضى فقه سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان هؤلاء العلماء الذين عرفتهم الأمة في أزماتها وعرفتهم الأمة في إثرائها بالعلم والدعوة ، وعرفتهم الأمة عندما قادوها إلى بر الأمان ومرفأ السلامة . المنهج الحق هو المتمثل لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويصدق فيه بالفعل حديث: \" ما كنت عليه أنا وأصحابي \" . وكل يدعي هذا الأمر لكن الدعاوى المجردة عن الحقائق والأدلة لا تثبت أمام التحقيق .

إن شباب الأمة هم عمادها وهم ذخرها بعد الله فلا بد أن تتضح الطريق أمامهم ولا بد من تربيتهم وفق المنهج النبوي وعلى مقتضى طريقة السلف .

حفظ الله لنا ولاة امورنا وبلدنا واعانهم على صد مثل هذه الظواهر الهدامة إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وللحديث بقية في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى